بداية المشوار

لعل فتح هذا الموضوع جاء استجابة موسعة لدعوات سابقة لبعض الزملاء لعرض خبرات كل منا في الولوج إلى عالم الترجمة، والتي كانت بدورها استجابة للكثير من الأسئلة التي تطرح في هذا الصدد.

وقد يكون الأفضل مناقشة الموضوع من خلال عدد من الأسئلة، أطرح فيها ما رأيت على المستوى الشخصي سواء من خلال الخبرة العملية أو خبرات الزملاء أو من خلال القراءة، ولآراء حضراتكم جميعا كل الرحب والسعة.

وفيما يلي سأطرح خطة تسويقية تعتمد على التقدم المهني، بدءا من المترجم الطالب وحتى الخريج الحديث وانتهاء بالمترجم الذي سلك طريقه إلى عالم الترجمة، والله الموفق.


متى يبدأ المترجم تسويق خدماته؟
ما من مبالغة إطلاقا إن قلنا إن على الشخص الذي يرى أن مستقبله في الترجمة أن يبدأ منذ السنة الأولى في الجامعة بتسويق خدماته. والذي لم يدرك أهمية ذلك إلا بعد التخرج فإنه في الواقع تأخر كثيرا، ومع ذلك، فالفرصة مفتوحة للجميع.

- استطراد:
شخصيا أول مهمة ترجمية طلبت مني كانت في السنة الأولى من الجامعة، وقد اعتذرت عنها لأنني شعرت آنذاك أنني قد لا أؤديها على الوجه المطلوب، ورغم أنني في تلك السن لم يكن لدي اعتقاد أن مستقبلي قد يكون في الترجمة لكنني وضعت الأمر في اعتباري منذ ذلك الحين، لاسيما أن مادة الترجمة كانت هي المادة الوحيدة التي حصلت فيها على تقدير الامتياز! كما كنت وزميلة أخرى وحسب من حصلتا على هذا التقدير. وأول عمل ترجمي مدفوع قمت به كان في السنة الثالثة من الجامعة.


كيف يمكن لطالب جامعي بدء مشواره الترجمي؟
ثمة الكثيرون يقدرون مهارتك اللغوية، وثمة الكثيرون يحتاجون مساعدتك، وأنت في الواقع المستفيد الأول. ليس عيبا إطلاقا أن تبدأ مشوارك الترجمي بعرض خدماتك على بعض الباحثين أو على المكاتب المحيطة بك والتي تقدم مثل هذه الخدمات. إن الاختلاط بهذه النوعية من الباحثين أو المكاتب الترجمية من شأنه أن يتيح لك ذخيرة كبيرة من المصطلحات وتنوعا كبيرا في الموضوعات، وإن كنت تتقن عملك وتحرص على إخراجه في خير وجه، فإنك ستتعرف إلى الكثير من المصادر الهامة للمترجم من معاجم متخصصة ومواقع إنترنت، وكذلك ستدعم آليات تعاملك مع النصوص الترجمية ومشاكلها، وستزيد قدراتك على مستوى الكيف والكم المترجم على حد سواء، الأمر الذي ستجني ثمرته فيما بعد وسيساعدك على اكتشاف مكانك الحقيقي وقدراتك في مجالات ترجمية معينة، إن شاء الله.

المراجعة: إن كان ما يمنعك أن هذه الجهات لا تقدم مراجعة لعملك، فالواقع أن أغلب الجهات الترجمية لا تقدم لك مراجعة عملك، حتى لو راجعتْه. لكن الممارسة الشخصية كفيلة بكسب الكثير من الخبرة في حد ذاتها. واصل البحث وعرض خدماتك، فإن تعاملت مع باحث أو مكتب متخصص في ترجمات معينة، فلا تستح أن تسألهم عن مصطلح معين أو عن مسرد خاص بهم، إذا شعرت أنهم قد يفيدوك في هذا الصدد. يعرف أغلب الباحثين ما تترجم أنت، فلا تستح من مناقشتهم وكسب خبراتهم. فضلا عن ذلك، يتعين عليك القراءة باللغتين العربية والأجنبية في الكتب والمقالات المرتبطة بالمجال الذي تترجم فيه، فهذا أحد المفاتيح الذهبية للتخصص في مجال ترجمي معين. إذ ستطلع على تفاصيل كثيرة فضلا عن مصطلحات تجنبك الخطأ والفتوى الآثمة في هذا الصدد.

الجانب المادي: الواقع الذي لا مناص منه مهما كان مؤسفا أنه ما من جهة كبرى ستعين طالبا (بل وحتى الخريج الجديد) مهما كانت قدراته، أو لنقل أن نادرا من يفعل ذلك. وأنت بظروف دراستك لن تجد الوقت الكافي للالتزام حتى لو وجدت هذه الفرصة. ومن ثم، فلا تستقل بمساعدتك الآخرين بمقابل مادي قليل، بل انظر إليه باعتباره منحة تدريبية بعائد أيضا. وإن قال لك أحدهم لن تستفيد من ذلك، فعليك أن تسأل من استفاد من ذلك.

أما الذين يصرون أن عليك ألا تقبل في الورقة إلا عشرات الدولارات وأنت في بداية مشوراك الترجمي، لا يخدعونك، وإنما يخافون عليك، لكنهم على قسمين: بعضهم لا يريدون أن تبذل من العناء ما بذلوه هم أنفسهم في بداية مشوار حياتهم. وبعضهم الآخر لم يشق طريقه في الترجمة من البداية، وإنما جاءته من سبل أخرى مثل عمله الأكاديمي أو تخصصه في تخصص دقيق كالطب أو الهندسة، أو غير ذلك. وفي هذا أقول: إن لك الحق في العناء ولك الحق في شق طريقك في الصخر، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

الخبرة: لا تترك مكتبا ولا عميلا عملت معه وأشاد بعملك إلا أن بعد تأخذ منه شهادة بعملك معه وفترة ذلك مهما كانت قليلة. فالكثيرون -مهما بدوا- يحبون أن يساعدوك ولن يمانعوا من إعطائك مثل هذه الشهادة أو إدارج بياناتهم كمرجع لك مادمت تستحق ذلك. سجل في سيرتك الذاتية تاريخ أول ورقة قمت بترجمتها مقابل أجر، فهذه هي بداية خبرتك. سجل لديك كل مشروع قمت به مهما كان صغيرا: اسمه، وتخصصه، وعدد كلماته. واحتفظ لديك بنسخة من كل عمل قمت بترجمته، بطريقة منظمة.

المعرِّفون: أساتذتك في الجامعة الذين يعرفون مستواك في الترجمة، وعملاؤك، هم مراجع لك، أي شهود على قدراتك الترجمية، يمكن إضافتهم إلى سيرتك الذاتية (بعد استئذاتهم). والحديث مع أساتذتك وزملائك الذين سبقوك في التخرج عن حبك لمجال الترجمة وسعيك لولوجه من شأنه أن يكون سبيلا إلى ترشيحهم لك في مشاريع ترجمية تالية، إن شاء الله. ومسألة الاستفادة من خبرة الزملاء نتناولها منفصلة، إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات :